إلى حازم … البيروتي المجنون و المجهول تحية من حي بحترق يطل على الروشة
أعرف انك تستغرب هذه الرسالة .. و تسأل ما بال هذه الغريبة ترسل لي رسالة على ورق أصفر
لا تستغرب , أنا لست فتاة غبية .. و لست لعبة فاتنة .. لست باربي شقراء ترضي بها غرائزك .. أنا أحجية القدر
لم نتحدث كثيرا في لقائنا الأول و قد أعطتني سارة عنوانك … ماذا عساي أن أكتب لك .. هل أشرح لك الحادثة.. او اقص لك قصة عمرها عقدان و نصف من الزمن في “روما نيرون” , بين جنبات هذه المدينة و أزقتها.
سالي ابنة جوزيف الخوري: استاذ السياسة في الجامعة الأمريكية هذا الذي لبس قشرة الحضارة و كانت روحه جاهلية و متحجرة إلى أبعد الحدود … أو ابنة ماري تلك الأم التي لم تعرف معنى الحرية, الأختيار , الحب او الحياة. لم تجادل , تناقش, تنفجر كانت هادئة , طيبة و خنوعة خاضعة لسلطة خفية تسمى الرجل الشرقي.
هربت من عالمي.. تركت العربية .. هربت من حجارتها , من افواهها التي تحاول أن تنقض عليّ كأسماك قرش تحوم حول بركة من الدماء.. ركضت إلى حضن الغرب إلى جحيم دانتي , فردوس ميلتون المفقود , جنون ويليام بلايك , عشق بيرون و استنشقت ورود بودلير الشريرة … شربت من الغرب حتى أرتويت .. قرأتهم بعد منتصف الليل عندما سكن زمان الصمت منزلنا و اعطاني الأمان لأكتشاف المجهول.
نسبت أن أقول لك عن رياح التغير التي هبت على جسدي و غيرت الجغرافيا و التاريخ… الحاضر و المستقبل.. دبت الحياة في كل الأماكن, و بدات تزورني جنية شهرية .. الخطيئة.. خطيئة حواء الأولى .. هذا الوشم الأبدي الذي نحن نعاني منه..
الخطيئة
التفاحة
الشيطان
المرأة
و الحب
حلقات تتداخل
و تقذف الرجل الغبي من الجنة
إلى النار
ما أحقر الرجل
نعم يا حازم .. انتم جنس عاطل … من القمامة و إالى القمامة يعود , لكنني اشتهيكم … اود ان أكون تلك التي يعشقها الرجال و لا يستطيع احد ان يملك حفنة مني … لن اكون ملك احد سأبقى غجرية في براري الحرية .. تبحث عن رفيق قصير الأمد .. للليلة أو أسبوع .. اذا اعجبني قد اعطيه شهرا من عمري .. ثم اشطبه من قاموس حياتي… هل ستدوم طويلا يا ولد؟؟
رحلت من شرق الصبا إلى غرب المستقبل…جسدي كان حقيبة السفر التي لازمتني طول السفر.. وصلت نيويورك بعد رحلة طويلة من بيروت إلى لندن و من مطارها المزدحم في الضواحي .. حيث اجناس الأرض تجتمع و تغادر.. لحظات تكون واحدا مع الجميع ثم تنفصل و تبقى وحيدا في مكان غريب.وصلت مدينة لم أعرفها مسبقا … مدينة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة. ناطحات سحاب تعانق برقابها السماء..تحاول أن تشق لها طريقا للخلود ..او سفر في كتاب الحياة…هل تقودنا أقدارنا لسكن السماء و ترك الأرض لاشباه البشر.. طبعا كنت خائفة من هذا المحيط الجديد …كنت سمكة جديدة في يم غربي, اردت ان اتعلم باقل الأسئلة و اسرع وقت ممكن.. مشيت جادات المدينة .. استنشقت الفحم, ركضت وراء الحمام المهاجر , استقبلت سفن المهاجرين من قرب اليس ايلاند .. ضعت في زحام البشر, مشيت وراء قلبي و تذوقت عدة تفاحات في تلك السنين الأربعة… درست لكن درست الحياة.. تناقدها .. فأنا ذهبت نحو المجهول في صيف 68 .. تركت ورائي طفولة , ذكريات, وحوش , أماكن, هزائم و خطب صوت العرب \ العهر .. صياح أحمد سعيد .. صباح وعود اطعام اليهود لاسماك القرش … ركضت مع ذئاب نفسي إلى الحرية.
رجعت بعد حين … سكنت وحدي في فندق صغير يطل لا على البحر.. بل على غرفة نوم!!
كم اشتقت لبيروت لكنني لم اشتق لأهلي.. كبروا.. هرموا.. خطت هزائم العرب معالم وجه أبي و بدأ بهلوسات عنترية عن الأنتصار المقبل و إرجاع الارض و العرض. اما ماري فقد اندمجت مه مجتمع بيروت المخملي الذي اراد ان يمد يد العون إلى اللاجئين و المشردين و اسر الضحايا.. عدت و كلي فرح .. لكن هذا الفرح لم يكتمل … مات جنينا يحاول التعايش مع جنون الحياة و حب الموت .. كان ضعيفا لا يقدر على عمل شيء … كم كرهة موته ..احتضنت جسمة الضعيف و مشيت حافية القدمين و الجسد إلى البحر و دخلت البحر معه و عندما غمرته مياهه المالحة ودعته بقبلة على الشفاه.. و بكاء مالح اختلط ببحر بيروت … سحبت نفسي بهدوء الساحرة .. شعري مبلل.. يغطي نصف وجهي.. تعثرت.. حجرة في البحر.. حملتها.. حادة و ملساء .. قربتها
انتهت الورقة… انتطرني يا شقي .. سأعود